فصل: الشاهد الحادي والخمسون بعد الأربعمائة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: خزانة الأدب وغاية الأرب (نسخة منقحة)



.حصار الافرنج دمياط.

ولما ملك أسد الدين شيركوه مصر خشيه الافرنج على ما بايديهم من مدن الشام وسواحله وكاتبوا أهل ملتهم ونسبهم بصقلية وافرنسة يستنجدونهم على مصر ليملكوها وبعثوا الاقسة والرهبان من بيت المقدس يستنفرونهم لحمايتها وواعدوهم بدمياط طمعا في أن يملكوها ويتخذوها ركابا للاستيلاء على مصر فاجتمعوا عليها وحاصروها لاول أيام صلاح الدين وأمدهم صلاح الدين بالعساكر والاموال وجاء بنفسه وبعث إلى نور الدين يستنجده ويخوفه على مصر فتابع إليه الامداد وسار بنفسه إلى بلاد الافرنج بالشام واكتسحها وخربها فعاد الفرنج إلى دمياط بعد حصار خمسين يوما نفس الله عليهم ومن هذه القصة بقية أخبار الافرنج متعلقة بالدولتين دولة بني زنكى بالشام ودولة بني أيوب بمصر فأخرت بقية أخبارهم إلى أن نسردها في الدولتين على مواقعها في مواضعها حسما تراه ولم يبق إلا استيلاؤهم على القسطنطينية من يد الروم فأوردناه ههنا.

.استيلاء الافرنج على القسطنطينية.

كان هؤلاء الافرنج بعدها ملكوه من بلاد الشام اختلفت أحوالهم في الفتنة والمهادنة مع الروم بالقسطنطينية لاستيلائهم على الثغور من بلاد المسلمين التي تجاور الروم التي كانت بأيديهم من قبل وظاهرهم الروم على المسلمين في بعض المرات ثم غلبوا عليهم آخرا وملكوا القسطنطينية من أيديهم فأقامت في أيديهم مدة ثم ارتجعها الروم على يد شكري من بطارقتهم وكيفية الخبر عن ذلك أن ملوك الروم أصهروا إلى ملوك الافرنج وتزوجوا منهم بنتا لملك الروم فولدت ذكرا خاله الافرنسيس وثب عليه أخوه فانتزع الملك من يده وحبسه ولحق الولد بملك الافرنج خاله مستصرخا به فوصل إليه وقد تجهز الافرنج لاستنقاذ القدس من يد المسلمين وكان صلاح الدين قد ارتجعها منهم كما يأتي في أخباره إن شاء الله تعالى وانتدب لذلك ثلاثة من ملوكهم دموس البنادقة وهو صاحب الاسطول الذي ركبوا فيه وكان شيخا أعمى لا يركب ولا يمشي إلا بقائد ومقدم الفرنسيس ويسمى المركيش والثالث يسمى كبداقليد وهو أكثرهم عددا فجعل الملك ابن أخته معهم وأوصاهم بمظاهرته على ملكه بالقسطنطينية ووصلوا إليه في ذي القعدة سنة تسع وتسعين وخمسمائة فخرج عم الصبي وقاتلهم واضرم شيعة الصبي النار في نواحي البلاد فاضرب العسكر ورجعوا وفتح شيعة الصبي باب المدينة وأدخلوا الافرنج وخرج عمه هاربا ونصب الافرنج الصبي في الملك وأطلقوه أباه من السجن واستبدوا بالحكم وصادروا الناس وأخذوا مال البيع وما على الصلبان من الذهب وما على تماثيل المسيح والحواريين وما على الانجيل فعظم ذلك على الروم ووثبوا بالصبي فقتلوه وأخرجوا الافرنج من البلد وذلك منتصف سنة ستمائة وأقام الافرنج بظاهرها محاصرين لهم وبعث الروم صريخا إلى صاحب قونية ركن الدين سليمان بن قليج ارسلان فلم ينهض لذلك وكان بالمدينة متخلفون من الافرنج يناهزون ثلاثين ألفا فثاروا بالبلد عند شغل الروم بقتال أصحابهم وأضرموا النار ثانيا فاقتحم الافرنج وأفحشوا في النهب والقتل ونجا كثير من الروم إلى الكنائس وأعظمها كنيسة سوميا فلم تغن عنهم وخرج القسيسون والاساقفة في أيديهم الانجيل والصلبان فقتلوهم ثم تنازع الملوك الثلاثة على الملك بها وتقارعوا فخرجت القرعة على كبداقليد فملكها على أن يكون لدموس البنادقة الجزائر البحرية اقريطش ورودس وغيرهما لمركيش الافرنسيس شرقي الخليج ولم يحصل أحد منهم شيأ إلا ملك القسطنطينية كبداقليد وتغلب على شرقي الخليج بطريق من بطارقة الروم اسمه شكري فلم يزل بيده إلى أن مات ثم غلب بعد ذلك على القسطنطينية وملكها من يد الافرنج والله غالب على أمره.

.الخبر عن دولة بني ارتق وملكهم لماردين وديار بكر ومبادي أمورهم وتصاريف أحوالهم.

كان ارتق بن اكسك ويقال اكست والاول أصح كلمة أولها همزة ثم كافان الاولى ساكنة بينهما سين من مماليك السلطان ملك شاه بن البارسلان ملك السلجوقية وله مقام محمود في دولتهم وكان على حلوان وما إليها من أعمال العراق ولما بعث السلطان ملك شاه عساكره إلى حصار الموصل مع فخر الدولة بن جهير سنة سبع وسبعين وأربعمائة أردفه بعسكر آخر مع أرتق فهزمه مسلم بن قريش فحاصره بآمد ثم داخلة في الخروج من هذا الحصار على مال اشترطه ونجا إلى الرقة ثم خشي ارتق من فعلته تلك فلحق بتتش حتى سار إلى حلب طامعا في ملكها فلقيه تتش وهزمه وكان لارتق في تلك الواقعة المقام المحمود ثم سار تتش إلى حلب وملكها واستجار مقدمها ابن الحسين بارتق فأجاره من السلطان تتش ثم هلك ارتق سنة ثلاث وثمانين بالقدس وملكه من بعده ارتق ابناه أبو الغازي وسقمان وكان لهما معه الرها وسروج ولما ملك الافرنج انطاكية سنة احدى وتسعين وأربعمائة اجتمعت الأمراء بالشام والجزيرة وديار بكر وحاصروها وكان لسقمان في ذلك المقام المحمود ثم تخاذلوا وافترقوا وطمع أهل مصر في ارتجاع القدس منهم وسار إليها الملك الافضل المستولى على دولتهم فحاصرها أربعين يوما وملكها بالامان وخرج سقمان وأبو الغازي ابنا ارتق وابن أخيهما ياقوتي وابن عمهما سونج وأحسن إليهم الافضل وولى على بيت المقدس ورجع إلى مصر وجاء الافرنج فملكوها كما تقدم في أخبار الدولة السلجوقية ولحق أبو الغازي بالعراق فولى شحنة بغداد وسار سقمان إلى الرها فأقام بها وكان بينه وبين كربوقا صاحب الموصل فتن وحروب أسر في بعضها ياقوتي ابن أخيه ثم توفي كربوقا سنة خمس وتسعين وولى الموصل بعده موسى التركماني وكان نائبا بحصن كيفا فزحف إليه جكرمس صاحب جزيرة ابن عمر وحاصره بالموصل واستنجد موسى سقمان على أن يعطيه حصن كيفا فأنجده وسار إليه وأفرج عنه جكرمس وخرج موسى للقاء سقمان فقتله مواليه غدرا ورجع سقمان إلى حصن كيفا فملكه ثم كانت الفتنة بين أبي الغازي وكمستكين القيصري لما بعثه بركيارق شحنة على بغداد وكان هو شحنة من قبل السلطان محمد فمنع القيصري من الدخول واستنجد أخاه سقمان فجاء إليه من حصن كيفا في عساكره ونهب تكريت وخرج إليه أبو الغازي واجتمع معهم صدقة بن مزيد صاحب الحلة وعاثوا في نواحي بغداد وفتكوا بنفر من أهل البلد وبعث إليهم الخليفة في الصلح على أن يسير القيصري إلى واسط فسار إليها ودخل أبو الغازي بغداد ورجع سقمان إلى بلده وقد مر ذلك في أخبارهم ثم استولى مالك بن بهرام أخى سقمان على عامة الخرمية سنة سبع وتسعين وكان له مدينة سروج فملكها منه الافرنج وسار إلى غانة فملكها من بني يعيش بن عيسى بن خلاط واستصرخوا بصدقة بن مزيد وارتجعها لهم منه وعاد إلى الحلة فعاد مالك فملكها واستقرت في ملكه ثم اجتمع سقمان وجكرمس صاحب الموصل على جهاد الافرنج سنة سبع وتسعين وهم محاصرون حران فتركوا المنافسة بينهم وقصدوهم وسقمان في سبعة آلاف من التركمان فهزموا الافرنج وأسروا القمص بردويل صاحب الرها أسره أصحاب سقمان فتغلب عليهم أصحاب جكرمس وأخذوه وافترقوا بسبب ذلك وعادوا إلى ما كان بينهم من الفتن والله أعلم.